إدارة الشئون الفنية
أسباب انشراح الصدر

أسباب انشراح الصدر

04 يونيو 2021

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 23 من شوال 1442هـ - الموافق 4 / 6 / 2021م

أَسْبَابُ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقَوْا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى .

عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ مِمَّا يُكَدِّرُ صَفْوَ الْحَيَاةِ وَيُذْهِبُ بَرِيقَهَا، مَا يَعْرِضُ فِيهَا مِنْ ضِيقٍ فِي الصُّدُورِ وَوَحْشَةٍ فِي النُّفُوسِ وَسَوَادٍ تُظْلِمُ مَعَهُ الْحَيَاةُ، فِي وَقْتٍ تَكَاثَرَتْ فِيهِ مُتَعُ الْحَيَاةِ وَلَذَّاتُهَا فَتَجِدُ غَنِيًّا يَشْكُو ضِيْقًا يَجِدُهُ فِي صَدْرِهِ عَجَزَتْ أَمْوَالُهُ أَنْ تَذْهَبَ بِهِ، وَمِثْلُ تِلْكَ الْعَوَارِضِ قَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهَا، فَتَجِدُ النَّاسَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ يَبْحَثُونَ عَنْ أَسْبَابِ انْشِرَاحِ الصُّدُورِ وَالْهَنَاءِ بِرَاحَةِ النَّفْسِ وَالْبَالِ وَالسُّرُورِ. وَفِي خِضَمِّ ذَلِكَ تَتَنَوَّعُ مَسَالِكُهُمْ وَتَخْتَلِفُ طَرَائِقُهُمْ لِتَحْصِيلِ ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ، فَمَنِ النَّاسِ مَنْ يَبْحَثُ عَنِ السَّعَادَةِ فِي جَمْعِ الْمَالِ وَالانْشِغَالِ فِي الْكَسْبِ، وَالآخَرُ يَنْغَمِسُ فِي اللَّهْوِ وَاللَّعَبِ. وَلَيْسَ ثَمَّ طَرِيقٌ يُوصِلُ إِلَى ذَلِكَ سِوَى الإِقْبَالِ عَلَى اللهِ وَحْدَهُ، وَإِيثَارِ مَرْضَاتِهِ عَلَى كُلِّ شَيءٍ.

عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ مِنَ نَعِيمِ الدُّنْيَا انْشِرَاحَ الصَّدْرِ وَطِيبَ النَّفْسِ؛ فَعَنْ يَسَارِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا فِي مَجْلِسٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى رَأْسِهِ أَثَرُ مَاءٍ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُنَا: نَرَاكَ الْيَوْمَ طَيِّبَ النَّفْسِ، فَقَالَ: «أَجَلْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ» ثُمَّ أَفَاضَ الْقَوْمُ فِي ذِكْرِ الْغِنَى، فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنِ اتَّقَى، وَالصِّحَّةُ لِمَنِ اتَّقَى خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى، ‌وَطِيبُ ‌النَّفْسِ مِنَ ‌النَّعِيمِ» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

وَإِنَّ أَعْظَمَ مَا تَنْشَرِحُ بِهِ الصُّدُورُ وَتَسْعَدُ بِهِ النُّفُوسُ تَوْحِيدُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَلَى حَسَبِ كَمَالِهِ وَقُوَّتِهِ وَزِيَادَتِهِ يَكُونُ انْشِرَاحُ صَدْرِ صَاحِبِهِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ[ [الزمر:22]. فَالْمُوَحِّدُ الَّذِي رَضِيَ بِاللهِ إلَهًا وَرَبًّا، وَبِحُكْمِهِ قَضَاءً وَقَدَرًا، يَعْلَمُ أَنَّ مَا يُصِيبُهُ فِي حَيَاتِهِ إِنَّمَا هُوَ تَدْبِيرُ اللهِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ الرَّحِيمِ.

وَمِمَّا تَنْشَرِحُ بِهِ الصُّدُورُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

كَمَا تَنْشَرِحُ الصُّدُورُ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ قَالَ تَعَالَى: ]الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[  [الرعد:28]. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : (فَلِلْذِّكْرِ تَأْثِيرُ عَجِيبٌ فِي انْشِرَاحِ الصَّدْرِ، وَنَعِيمِ الْقَلْبِ، وَلِلْغَفْلَةِ تَأْثِيرُ عَجِيبٌ فِي ضِيقِهِ وَحَبْسِهِ وَعَذَابِهِ).

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

وَإِنَّ مِنَ الأَذْكَارِ مَا يُبْعِدُ اللهُ بِهِ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحُزْنٌ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، ‌مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ يَنبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: «أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ» [رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ شَاكِرٍ].

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ ‌السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِهَدْيِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاحْذَرُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ وَالْوُقُوعَ فِي حَبَائِلِهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

وَإِنَّ مِمَّا تَنْشَرِحُ بِهِ الصُّدُورُ وَتَسْعَدُ بِهِ النُّفُوسُ التَّفَاؤُلَ وَإحْسَانَ الظَّنِّ بِاللهِ عِزِّ وَجَلِّ، قَالَ تَعَالَى: ]إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ[ [يوسف:87].

وَإِذَا كَانَتِ الصُّدُورُ تُظْلِمُ بِالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ، فَإِنَّهَا بِالْإحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ وَنَفْعِهِمْ تَصْفُو وَتَسْعَدُ، فَإِنَّ الْكَرِيمَ الْمُحْسِنَ أَشَرَحُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَطْيَبُهُمْ نَفْسًا، وَأَنْعَمُهُمْ قَلْبًا. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ البَخِيلِ وَالمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، قَدِ اضْطَرَّتْ أَيْدِيْهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَكُلَّمَا هَمَّ المُتَصَدِّقُ بِصَدَقَتِهِ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ، وَكُلَّمَا هَمَّ البَخِيلُ بِالصَّدَقَةِ انْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا وَتَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ، وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ»، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «فَيَجْتَهِدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا ‌فَلَا تَتَّسِعُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

وَاحْرِصُوا – رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالَى- عَلَى الْأخْذِ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوْصِيَاتِ الصِّحِّيَّةِ، وَالْتِزَامِ الْإِجْرَاءَاتِ الاحْترَازِيَّةِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبٌ الدَّعَوَاتِ، رَبَّنَا ارْفَعْ عَنَّا الْبَلَاءَ وَالْوَبَاءَ، وَالضَّرَّاءَ وَالْبَأْسَاءَ، وَأَدِمْ عَلَيْنَا النِّعَمَ، وَادْفَعْ عَنَّا النِّقَمَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا الصَّالِحَةَ فِي رِضَاكَ، وَاجْعَلْ هَذا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني